التقرير السنوي 2021

الرئيسية

سياق التشغيل

نجح القطاع المصرفي العالمي في التعافي والاستقرار بشكل أسرع بكثير مما يمكن تصوره في ظل التوقعات السلبية الخالصة في مطلع عام 2021، وذلك بفضل الانتعاش الاقتصادي واتباع سياسة التطعيم الناجعة إلى جانب العديد من التدخلات الحكومية الأخرى التي ساهمت في الحفاظ على بيئات العمل التشغيلية. وبينما تسببت الجائحة في زيادة الخسائر الائتمانية للمصرف بدرجة كبيرة، فقد أظهر القطاع المصرفي العالمي مرونة كبيرة وواصل تحقيق الاستقرار ببطء وبصورة تدريجية في ظل تزايد زخم الانتعاش الاقتصادي، على الرغم من إمكانية عودة المخاطر إلى التفاقم من جديد مع تراجع مستويات الدعم الحكومي على نحو تدريجي.

وفيما يتعلق بمصرف الراجحي، الذي يُعد من أكبر المصارف الإسلامية في العالم، فقد كان للتعامل الاستراتيجي مع الاتجاهات الصعبة على الصعيد العالمي والإقليمي والمحلي والقطاعي خلال العام قيد المراجعة أثر كبير على أداء المصرف.

الاتجاهات العالمية

استمرت الأزمة الصحية العالمية الناجمة عن الجائحة خلال عام 2021، حيث اتسع نطاق تأثير الجائحة مع انتشار الموجة الثانية والثالثة وحتى الرابعة في كافة ربوع العالم محذرة المستثمرين من مغبة استمرار تداعياتها. ومع ذلك، فقد وفرت حزم الحوافز الكبيرة المصحوبة بالتوسع في برامج التطعيم الناجحة على مستوى الاقتصادات المتقدمة بعض الدعم والدلالات المتوقعة على النمو غير المتكافئ، رغم أنها لم تُجنِّب الدول ذات معدلات التطعيم العالية الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية تمامًا. ومع ذلك، استمرت الفجوة في مستويات التعافي بين الدول المتقدمة والدول النامية ذات الدخل المنخفض في الاتساع في عام 2021، إذ ساهمت المتغيرات الجيوسياسية العالمية، ومن بينها التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين والتوترات السياسية بين روسيا والغرب وأجندة السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي، في تباطؤ التعافي الاقتصادي العالمي وعرقلة النمو.

هذا، وقد تباينت معدلات التضخم بين البنوك المركزية على مستوى العالم، الأمر الذي عكس بدوره جهود التعافي في كل دولة، مما أثار المخاوف إزاء دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة من مراحل انخفاض معدلات النمو والتضخم المفرط، الأمر الذي يذكرنا بحادثة "الركود التضخمي" التي حدثت في سبعينيات القرن الماضي. وقد فاق تأثير هذا الأمر، بجانب الاضطرابات العالمية الحاصلة في سلسلة التوريد، تأثير جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19-) باعتبارها أكبر المخاطر التي تهدد النمو المحلي والمؤسسي في عام 2021، مع أن ظهور متحورات أخرى مُعدية من الفيروس، مثل متحور دلتا ومتحور أوميكرون، ربما يكون قد وسع نطاق الضغوط التضخمية العالمية. وفي هذا السياق، ونظرًا للتقلبات الشديدة التي تشمل انتشار متحورات فيروس كورونا المستجد، أكّد صندوق النقد الدولي على ضرورة أن تواصل البنوك المركزية الكبرى التعامل بحرص وتوخّي الحذر عند الإعلان عن السياسات النقدية المستقبلية لتجنب نشر الذعر في السوق وتفاقم الأوضاع المالية دون مبرر بينما يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات سريعة.

لا تزال التوقعات بشأن مقاييس التضخم على المدى المتوسط والبعيد قريبة من أهداف السياسة في معظم الاقتصادات. وبالإضافة إلى التوقعات بتراجع القوى التضخمية، فهذا يعكس أن الإجراءات المتعلقة بالسياسات يمكن أن تعيد معدلات التضخم إلى الوضع المستهدف. وحتى مع استمرار معدلات التوظيف دون مستويات ما قبل تفشي الجائحة، فقد ارتفعت معدلات التضخم الرئيسية بسرعة في الولايات المتحدة وكذلك في الاقتصادات الناشئة والنامية خلال الأشهر الأخيرة، على الرغم من الاختلافات في حجم ضغوط الأسعار. وتعكس الزيادة في معدلات التضخم، إلى حد كبير، مزيجًا من عدم التطابق والتوافق بين العرض والطلب الناجم عن الجائحة والتطورات المتعلقة بالسياسات مع انخفاض قيمة أسعار الصرف، مما يُسهم في ارتفاع أسعار السلع المستوردة في بعض الدول.

على المدى القصير إلى المتوسط، لا تزال السياسة المالية أساسية لمعالجة الآثار المترتبة على الجائحة والمتطورة يومًا بعد يوم، ولا تزال السياسة المالية تيسيرية وتتجه نحو الاستثمارات طويلة الأجل مثل برامج التحول الرقمي وعمليات التحول المستدام في العديد من الاقتصادات المتقدمة، في حين واصلت الأسواق الناشئة والدول النامية تحويل النفقات نحو التصدي للتحديات المتعلقة بالجائحة. وقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض الإيرادات الحكومية إلى إجهاد قدرة الدول النامية ذات الدخل المنخفض على تقديم الدعم المالي وخدمة ديونها، مما يوضح أن انخفاض العجز لا يمكن أن يحدث في الغالب إلا من خلال خفض معدلات الإنفاق. وبشكل عام، بينما لا تزال السياسة المالية داعمة في ظل انخفاض العجز في عام 2021 بنحو نقطتين مئويتين من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط، إلا أنها لا تزال أعلى بكثير من مستويات ما قبل الجائحة، خاصة في الاقتصادات المتقدمة. ومن المتوقع أن ينخفض العجز بصورة أكبر بمقدار 3 نقاط مئوية تقريبًا في عام 2022 وأن يعود إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول عام 2026.

وكانت الاستجابة لنمو وانتشار العملات المشفرة من أهم أولويات صناع السياسات والجهات الرقابية في عام 2021، إذ شهدت أسواق الأصول المشفرة نموًا سريعًا وتداخلت مع الأجزاء الرئيسية للنظام النقدي والمالي العالمي، إلا أن أسعار الأصول المشفرة ظلت متقلبة للغاية. علاوة على ذلك، وصل حجم معاملات الأصول المشفرة إلى مستويات حرجة على مستوى الاقتصاد الكلي في بعض الأسواق الناشئة، وغالبًا ما تكون بمستوى مرتفع يماثل مستوى معاملات الأسهم المحلية. كما يظل الإطار التنظيمي السليم للأصول المشفرة وأسواق التمويل اللامركزية من الأولويات الرئيسية في أجندة السياسة العالمية.

بدأت الأسواق المالية في جميع أنحاء العالم في دمج مخاطر وفرص التحول المناخي ضمن عملية اتخاذ القرارات الاستثمارية، مع تحول السياسات نحو القضايا الاجتماعية والبيئية طويلة الأجل. وفي عام 2021، أصدرت الأمم المتحدة خارطة طريق عالمية تتضمن مجموعة من 150 التزامًا وتخصيص 400 مليار دولار أمريكي من أجل دعم كل من عمليات التحول في مجال الطاقة ووصول الجميع إليها بحلول عام 2030 وكذلك تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. وقد أوصى صندوق النقد الدولي بعدد من المبادرات التي يمكن أن تساعد في دفع عجلة التحول المقترح في مجال الطاقة بصورة عادلة، مع التركيز أيضًا على تقديم 100 مليار دولار أمريكي سنويًا لتمويل المبادرات المناخية، وهو ما وعدت به الدول ذات الدخل المرتفع دول العالم ذات الدخل المنخفض منذ عام 2009.

لا يزال الدين الحكومي العالمي عند مستوى قياسي، فقد بلغ أقل بقليل من 100% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، ومن المتوقع أن ينخفض بشكل طفيف وبصورة تدريجية حتى عام 2026. وقد ساعدت عمليات الشراء الكبيرة للدين الحكومي من قبل البنوك المركزية، خاصة في الاقتصادات المتقدمة، ومن قبل القطاع المصرفي المحلي في احتواء تكلفة الاقتراض الجديد. وأدى تراكم الديون إلى حاجة العديد من الدول النامية ذات الدخل المنخفض إلى مزيد من المساعدات الدولية، كما احتاجت بعض الدول إلى إعادة هيكلة الديون.

استمرت مبادرة تعليق سداد خدمة الدين، التي أطلقتها دول مجموعة العشرين في سبيل مساعدة الدول الأفقر في العالم من خلال تعليق سداد خدمة الدين مؤقتًا في عام 2020، حتى ديسمبر 2021. وتبِع ذلك الإعلان عن الإطار المشترك لمجموعة العشرين لمساعدة الدول ذات الدخل المنخفض على إعادة هيكلة ديونها والتعامل مع الإعسار ومشاكل السيولة طويلة الأمد. كما قام المجتمع الدولي بتوسيع نطاق دعمه المالي، بما في ذلك الإقراض الطارئ من صندوق النقد الدولي وتخصيص 650 مليار دولار أمريكي لحقوق السحب الخاصة، إلى جانب تخصيص 21 مليار دولار أمريكي مباشرة للدول ذات الدخل المنخفض. وقد التزم قادة مجموعة العشرين بدعم الدول ذات الدخل المنخفض بإقراضهم نحو 100 مليار دولار أمريكي من حقوق السحب الخاصة لتعظيم هذا الأثر بشكل كبير. ومع انتهاء مبادرة تعليق سداد خدمة الدين في عام 2022، يجب أن تهدف الدول ذات الدخل المنخفض إلى الاستفادة من الإطار المشترك للحصول على التمويل اللازم لها من صندوق النقد الدولي.

في حين بدأت معظم القطاعات مسيرة التحول الرقمي قبل تفشي الجائحة، إلا أن تفشي الجائحة والقيود المفروضة على التنقل بسببها وعدم المساواة في سوق العمل دفع غالبية المؤسسات إلى تسريع وتيرة عمليات التحول الرقمي والأتمتة خلال أشهر أو حتى سنوات، وأثمر ذلك عن نمو إنتاجية قطاع الخدمات خلال عام 2021. وقد قامت الشركات في جميع أنحاء العالم بأتمتة العمليات وتعديل نماذج الأعمال واعتماد التقنيات الناشئة، بما في ذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس والاتصال المعزز والحوسبة الحدّية وإنترنت السلوكيات والحوسبة الكمية وسلسلة الكتل "blockchain" والأمن السيبراني وتعزيز القدرات البشرية والحوسبة السحابية الموزعة والواقع الافتراضي والواقع المعزز وأتمتة العمليات الروبوتية وغيرها الكثير.

انتعشت أسعار الأسهم في أسواق الأسهم العالمية رغم الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها الأسواق، وذلك بسبب الانخفاض الشديد في الأسعار الحقيقية وقوة الأرباح. وقد ظلت الفوارق الائتمانية في سوق سندات الشركات، والتي تعتبر مقياسًا لمخاطر التخلف عن السداد في السوق، ضيقة، مما يعكس نظرة المستثمرين الإيجابية بشأن التوقعات الائتمانية في ظل السيولة الكبيرة والدعم المستمر للسياسات. ويبدو أن المستثمرين أصبحوا أكثر حذرًا إلى حد ما، حيث طالبوا بمزيد من الحماية ضد الانخفاضات الكبيرة في أسواق المخاطر وسط زيادة الشكوك المحيطة بالتوقعات الاقتصادية. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، يشير ارتفاع تقييمات الأسهم وزيادة حساسية أسعار الأسهم لأسعار السندات الحكومية إلى إمكانية إعادة تسعير أسواق الأسهم بدرجة كبيرة في حالة إعادة التقييم المفاجئ للتوقعات الاقتصادية أو حدوث تغيرات غير متوقعة في السياسات.

فيما يتعلق بضرائب الشركات، أقر قادة مجموعة العشرين مبادرة عالمية تدعمها 136 دولة في عام 2021 لفرض حدّ ضريبي بنسبة 15% كحد أدنى على الشركات متعددة الجنسيات التي تتجاوز إيراداتها السنوية 865 مليون دولار أمريكي. وتهدف الاتفاقية إلى الحد من الفوائد التي تحققها الشركات الكبيرة التي تحول أرباحها إلى الخارج إلى الملاذات الضريبية، إذ يزعم مؤيدو الاتفاق أن هذا التصرف من جانب الشركات أدى إلى تقليل حجم الإيرادات الضريبية التي تستطيع الدول تحصيلها.

يقدّر صندوق النقد الدولي أن الإصلاحات الشاملة المعززة للنمو والتي تشمل المنتجات والقوى العاملة والأسواق المالية يمكن أن تعزز النمو السنوي في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من نقطة مئوية واحدة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية خلال العقد المقبل. وفي ظل انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية، يمكن أن تؤدي الزيادات الصغيرة في النمو الاقتصادي إلى آثار كبيرة للغاية على استدامة الدين. هذا، وقد أدى النمو الكبير في الإنفاق الأسري وإعادة تجديد المخزون وتنامي معدلات الإنفاق الرأسمالي خلال عام 2021 إلى دعم النشاط الاقتصادي العالمي في تحقيق الاستقرار على المدى المتوسط، ومن المتوقع أن يؤدي الانتعاش الاقتصادي الجيد وزيادة حجم التجارة والاستثمارات إلى عودة الاقتصادات العالمية إلى الوضع الطبيعي في عام 2022.

الاتجاهات الإقليمية

كانت هناك مؤشرات واضحة على انتعاش النشاط التجاري والظروف المالية العالمية الداعمة بفضل الأنظمة المصرفية المرنة في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إلا أن مخاطر مثل قلة فرص التوظيف وزيادة أوجه عدم المساواة تتراكم بصورة غير متكافئة أيضًا.

وقد أدت المجموعة الواسعة من الاستجابات السياسية في جميع أنحاء المنطقة دورًا فاعلاً في حماية سبل كسب العيش وحماية الفئات السكانية الضعيفة المعرضة للخطر والحد من المخاطر الاقتصادية والمصرفية والمؤسسية. وأقدمت بعض دول المنطقة، مثل سلطنة عُمان، على اتخاذ تدابير جديدة في عام 2021 لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وكذلك الأسر الضعيفة، في حين ظلت تدابير الإنفاق الطارئة المتبعة في الدول الأخرى على حالها كما هي أو تم تخفيضها أو إنهاؤها. كذلك، ظلت بعض تدابير دعم السيولة النقدية غير الأساسية، والتي لم تُخصص لها بنود مباشرة في الميزانية، مستمرة.

لا تزال أسعار الفائدة الرسمية منخفضة في العديد من الدول. وقد انتهت مدة بعض الإجراءات المالية الكلية المطبقة، مثل برنامج ضمانات التمويل والإعفاء من رسوم المعاملات الإلكترونية في المملكة العربية السعودية. كما تم تمديد إجراءات أخرى مثل المساعدات والضمانات الائتمانية وتأجيل دفعات التمويل في دول مجلس التعاون الخليجي.

لا تزال التوقعات المستقبلية للمنطقة لعام 2022 واعدة وتبشر بالخير، إذ ستستفيد الدول المصدرة للنفط، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، من ارتفاع أسعار النفط وانتعاش الطلب العالمي، وستمتد الآثار إلى باقي دول المنطقة. وبينما تستعد المنطقة لرحلة جديدة في عالم ما بعد الجائحة، تتيح الأزمة فرصًا يمكن أن تؤدي إلى انتعاش تحولي يتسم باقتصادات أكثر مرونة وشمولية واستدامة. وبالتالي، سيتطلب الأمر تحقيق الشمولية في السياسات المحلية والاستفادة من أوجه التآزر لتمكين هذا التحول. كما سيكون التعاون الإقليمي والعالمي في غاية الأهمية لتوزيع اللقاحات والاستفادة من برامج التحول الرقمي والتكيف مع التغيرات المناخية والتحول إلى الحد من الانبعاثات الكربونية لتعزيز آفاق النمو على المدى المتوسط في المنطقة.

يبدو أن هناك تفاوت في الانتعاش الاقتصادي في المناطق أخرى حول العالم، فقد انخفضت ثقة المستهلكين في أوروبا مع استمرار الجائحة وحدوث الاضطرابات في سلسلة التوريد وارتفاع أسعار الطاقة ونقص العمالة، الأمر الذي ساهم في اختلال التوازن. وقد أدى التوزيع السريع للقاحات والتحفيز الحكومي القوي والرفع السريع للقيود في الولايات المتحدة إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي، إلا أنه ظل دون مستويات توقعات ما قبل الجائحة بنهاية عام 2021.

ومن ناحية أخرى، دخل الاقتصاد الصيني مرحلة متقدمة في رحلة التعافي من تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد، مع انخفاض الطلب المحلي الذي يُعوضه الأداء القوي في مجال التصدير. ومع ذلك، تزايد الاستثمار والاقتراض بشكل مُفرط خلال الجائحة، مما دفع الحكومة الصينية إلى فرض قيود أكثر صرامة على القطاع العقاري والقطاع الخاص وأسواق الطاقة والبيئة. وقد أدى ذلك إلى مشاكل في الملاءة المالية لكبرى الشركات الصينية العاملة في القطاع العقاري، وتجددت المخاوف بشأن الانكماش الائتماني المحتمل. ويبدو أن ديون مطوري العقارات الصينيين تبدو كبيرة بما يكفي لتدهور الاقتصاد الوطني، ولكن هناك عدة عوامل يمكن أن تحد من الركود العقاري وكذلك القلاقل والتهديدات المتعلقة بخطر انعكاس التأثيرات المالية على السوق العالمية. كما ظهرت كذلك مخاطر حدوث فقاعة عقارية عالمية في عام 2021، حيث أدى ارتفاع الطلب على الإسكان إلى ارتفاع أسعار العقارات إلى مستويات تاريخية قياسية، كان آخرها في منتصف السبعينيات ومنتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، قبل فترات الركود الكبرى.

الاتجاهات المحلية

كان الارتفاع الكبير في أسعار النفط من الدوافع الرئيسية لتعزيز الانتعاش الاقتصادي القوي في مختلف قطاعات المملكة، كما منح ذلك الحكومة القدرة على الحفاظ على سياسة الانضباط المالي. وتوسع القطاع غير النفطي مع زيادة الإنتاج والأعمال الجديدة في ظل هذه الظروف الاقتصادية المحسّنة وتخفيف القيود التي فُرضت بسبب جائحة (كوفيد-19) خلال النصف الأخير من العام.

ارتفعت معدلات الطلب على النفط الخام بدرجة كبيرة في عام 2021 حين قررت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها (أوبك بلس) تمديد خفض الإنتاج حتى شهر إبريل، ونجحت في إعادة التوازن إلى سوق النفط العالمي، وقلصت حصص المخزون، وارتفعت الأسعار مع تعافي الطلب. وفي النصف الثاني من عام 2021، قررت دول منظمة أوبك وحلفاؤها (أوبك بلس) زيادة حصص الإنتاج بعد ارتفاع معدلات الطلب العالمي نظرًا لتخفيف القيود المفروضة بسبب جائحة (كوفيد-19). وفي إطار اتفاقيات منظمة أوبك بلس في عام 2021، ارتفع متوسط الإنتاج اليومي للمملكة وكذلك متوسط الصادرات اليومية، على الرغم من التخفيضات الاختيارية في الإنتاج. وفي ظل الخطط الرامية إلى زيادة إنتاج المملكة في أوائل عام 2022 وفقًا لاتفاقية منظمة أوبك بلس، فإن تعافي الطلب العالمي وتحسّن سلاسل التوريد العالمية سينعكسان بشكل إيجابي على الاقتصاد المحلي في العام المقبل.

وفي بيان الميزانية العامة للعام المالي 2022، توقعت المملكة العربية السعودية نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.9% في عام 2021 بسبب ارتفاع أسعار النفط وزيادة معدلات الطلب المحلي عن التقديرات المتوقعة. وتتوقع المملكة نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.4% في عام 2022 مدعومًا بارتفاع أسعار وإنتاج النفط وزيادة معدلات الطلب المحلي والخارجي، إلى جانب تحسن سلاسل التوريد العالمية. وتشير تقديرات الموازنة لعام 2022 إلى أن إجمالي الإيرادات سيصل إلى 1,045 مليار ريال سعودي، بزيادة قدرها 12.4% مقارنة بالإيرادات المتوقعة لعام 2021.

تتوقع المملكة تحقيق أول فائض في ميزانيتها بنسبة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، إذ يُتوقع أن ترتفع الإيرادات نتيجة تعافي أسعار النفط وارتفاع حجم إنتاج النفط الخام وترشيد الإنفاق، فضلاً عن ارتفاع العوائد الضريبية. وفي حال تحقق ذلك، سيكون هذا الفائض هو الأول منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014. وسيتم توجيه هذا الفائض المالي لتعزيز الاحتياطيات الحكومية ودعم صناديق التنمية الوطنية وصندوق الاستثمارات العامة، مع توجيهها نحو تسريع تنفيذ بعض البرامج والمشاريع الاستراتيجية ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، أو التوجه نحو سداد الدين العام جزئيًا بناءً على ظروف السوق. ومن المتوقع أن تتحسن مؤشرات الدين العام في عام 2022 لتنخفض إلى 25.9% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت 29.2% في عام 2021. وقد وصلت معدلات التضخم إلى 3.3% خلال عام 2021، ومن المتوقع أن تنخفض في عام 2022 إلى 1.3% مع تلاشي أثر زيادة ضريبة القيمة المضافة.

تعد العناصر الرئيسية البارزة في بيان الميزانية العامة للعام المالي 2022 دلالة على التحسن التدريجي في كافة المقاييس الاقتصادية والمالية الرئيسية، مع الاستمرار في اعتماد نهج متحفظ عند إعداد موازنة الإيرادات النفطية وغير النفطية. وهذا من شأنه أن يدعم الجهود الحكومية الرامية إلى استدامة النمو الاقتصادي. ووفقًا لبيان الميزانية العامة، من المتوقع أن تظل البنود المتعلقة بقطاعات التعليم والصحة والقطاع العسكري إلى جانب البنود العامة هي الأهداف الرئيسية للإنفاق في عام 2022.

 

 

من المتوقع أن يقود القطاع الخاص النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل في عام 2022 مدفوعًا بالاستراتيجية الوطنية للاستثمار، وهي أحد عوامل التمكين الرئيسية لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، بما في ذلك زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65%، وخفض معدلات البطالة إلى 7%، وزيادة مساهمة الصادرات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي من 16% إلى 50%، وتعزيز مكانة المملكة ضمن أفضل عشر اقتصادات في مؤشر التنافسية العالمية بحلول عام 2030.

وعلى الصعيد المحلي في المملكة، انصب التركيز في السياسات في عام 2021 على رفع مستويات الاستثمار للمساعدة في تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي وتعزيز مشاركة القطاع الخاص. وواصلت الحكومة جهودها لزيادة تطوير أسواق الدين والأسهم، وزيادة معدلات الاستثمارات المحلية (برنامج شريك)، وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد لتحقيق أهداف رؤية 2030 من خلال مراجعة الأطر التنظيمية. وفي إطار رؤية 2030، واصلت الحكومة السعودية الإصلاحات الاقتصادية والمالية من خلال مبادرات مثل برنامج الاستدامة المالية، والذي يُعد آلية تخطيط مالي متوسطة الأجل تهدف إلى الحفاظ على المالية العامة وسبل استدامتها وكذلك تحقيق ميزانية عامة متوازنة، مع تعزيز سياسات الانضباط المالي وضبط مستويات العجز في الميزانية العامة.

ومع إطلاق رؤية 2030 لتطوير وتنويع الاقتصاد السعودي، واصلت المملكة جهودها لزيادة الصادرات غير النفطية للحد من الاعتماد على المبيعات النفطية، وزيادة معدلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 3.8% إلى المتوسط العالمي البالغ 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030. وقد شهد قطاع الرعاية الصحية تحولات واستثمارات كبيرة، بما في ذلك إطلاق برنامج تحول القطاع الصحي، في إطار رؤية 2030. كما تضمنت المبادرات غير النفطية الأخرى التي أعلنت عنها وزارة المالية في الميزانية العامة للعام المالي 2021 العديد من البرامج، من بينها البرامج التقنية واللوجستية والعقارية وبرنامج "صنع في السعودية" وبرنامج التخصيص.

ومن المتوقع أن يؤدي استمرار تدشين المشاريع الضخمة، مثل مشروع مدينة نيوم الذكية المستقبلية ومشروع البحر الأحمر ومشروع القدية الترفيهي الضخم ومشروع أمالا السياحي الفاخر، إلى تعزيز معدلات النمو في القطاعات الناشئة مثل الترفيه والسياحة، وكذلك توفير فرص استثمارية مواتية في جميع أنحاء المملكة. وعلى إثر ذلك، شهد الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نموًا بنسبة 4.8% في عام 2021، ومن المتوقع أن ينمو القطاع الخاص بوتيرة أعلى لقيادة النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل في عام 2022.

واصلت المملكة أيضًا تعزيز جهودها المبذولة فيما يتعلق بقضايا المناخ وحماية البيئة من خلال تدشين مبادرة السعودية الخضراء، وتوحيد كافة جهود الاستدامة في المملكة من خلال خارطة طريق واضحة المعالم وطموحة لزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وموازنة تأثير الوقود الأحفوري وتحقيق الأهداف العالمية لمكافحة التغير المناخي. وهناك أكثر من 60 مبادرة للبيئة والطاقة النظيفة قيد التنفيذ في المملكة لتحقيق الأهداف الثلاثة لمبادرة السعودية الخضراء، ومن بينها خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، ولا يزال هذا من الأهداف الرئيسية في مسيرة المملكة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.

وفي ظل استمرار التحولات في بيئة التشغيل المحلية نتيجة جهود التحول الرقمي، لا تزال المملكة تهدف إلى أن تصبح مركزًا إقليميًا للتقنيات الناشئة والتحول الرقمي، مع تحقيق الحكومة لإنجازات نوعية من خلال خارطة طريق تُستخدم في قياس وتعريف الاقتصاد الرقمي الجديد.

وتتفاوض المملكة مع العديد من الدول، ومن بينها الولايات المتحدة والهند وأستراليا والصين، بشأن اتفاقيات التجارة الحرة المحتملة، إذ تهدف إلى تصدير الخدمات، بما في ذلك الخدمات المهنية والمالية وخدمات الاتصالات والخدمات البريدية وكذلك خدمات النقل والإعلام والإنشاءات والمقاولات والتعليم والتدريب والسفر والسياحة والخدمات البيئية والخدمات الترفيهية.

سجل مؤشر مديري المشتريات (PMI) في المملكة العربية السعودية الصادر عن وكالة IHS Markit في شهر ديسمبر أدنى درجة له عند 53.9 منذ شهر مارس، مما يشير إلى وجود تحسن قوي في ظروف التشغيل لدى القطاع الخاص غير النفطي. بينما كشفت نتائج مؤشر ثقة المستهلك الرئيسي (PCSI) في المملكة العربية السعودية لشهر ديسمبر 2021 عن مخاوف بشأن الانتشار العالمي لمتحور أوميكرون، مما أدى إلى تباطؤ ملحوظ في نمو الأعمال التجارية الجديدة.

الاتجاهات الخاصة بالقطاع

استمرت أسواق التمويل الإسلامي في النمو في عام 2021، في ظل استمرار النمو في الطلب على المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. ويُتوقع استمرار نمو التمويل الإسلامي في عام 2022 وما بعده إلى جانب الحفاظ على اتجاه النمو القائم منذ فترة طويلة. كذلك، من المتوقع استمرار معدلات نمو القطاع على جميع الأصعدة، بما في ذلك الخدمات المصرفية والصكوك والتكافل والتأمين، مع استفادة هذا النمو من السياسات الحكومية الداعمة التي تعكس الطلب القوي والمتزايد على هذه المنتجات.

 

 

على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، فمن شأن الطلب المحدود والدخل المتاح أن يدعما المبيعات ويزيدا من متوسط أسعار البيع، إذ يتوقع استمرار نمو التمويل العقاري بفضل ظروف التمويل المواتية والمحفزات الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفائض المتوقع في المالية العامة من شأنه تسريع تنفيذ بعض البرامج والمشاريع الاستراتيجية ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.

سيدعم جودة الأصول القوية النمو الائتماني القوي، الذي سيستفيد من نمو التمويل العقاري والمشاريع الرأسمالية التي أُطلقت تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة ومشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات المتعلقة بتحقيق رؤية 2030. وستحافظ البنوك على استقرار الموارد المالية وكفاية رؤوس الأموال. كما إن ارتفاع معدلات الأرباح من شأنه أن يدعم ربحيتها.

ولن يكون سعر الفائدة بين البنوك في لندن (الليبور)، الذي يمثل سعر الفائدة المرجعي العالمي، متاحًا للمعاملات المالية اعتبارًا من 31 ديسمبر 2021، حيث سيُستغنى عنه تدريجيًا في جميع أنحاء العالم بعد عقود من الهيمنة. وتتجه المملكة العربية السعودية إلى اعتماد معدل التمويل الليلي المضمون (SOFR) المعتمد من قبل الاحتياطي الفيدرالي.

يقترب موعد تنفيذ معايير متطلبات لجنة بازل الرابعة في يناير 2023 بسرعة، إذ تتوقع البنوك معرفة الإجراءات المطلوبة منها في عام 2022. وتلتزم الجهات الرقابية بضرورة استكمال الإصلاحات النهائية، على الرغم من أن بعض البنوك لديها شكوك بشأن التوقيت. وقد أُرجئ التنفيذ مرة بسبب تفشي جائحة (كوفيد-19) وقد يتأخر أكثر بسبب الإجراءات التنظيمية.

وفيما يتعلق بالشراكات بين القطاعين العام والخاص، نُفذت العديد من مشاريع البناء والتملك والتشغيل ونقل الملكية الناجحة في جميع أنحاء المملكة، لا سيما في قطاعي الطاقة والمياه. وعلاوة على ذلك، فقد استعانت قطاعات، مثل إدارة النفايات والمترو ومشاريع النقل الجماعي المماثلة، بالقطاع الخاص في جميع مراحل سلسلة القيمة أو خططت للاستعانة به.

وقد أدت التدابير الحكومية الداعمة لتعزيز استدامة قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مثل برنامج كفالة وصندوق التنمية الوطني وبرنامج دعم تمويل القطاع الخاص، إلى إعادة تفعيل التسهيلات الائتمانية المقدمة إلى المنشآت الصغيرة والمتوسطة في عام 2021، والتي شهدت نموًا بنسبة 28% على أساس سنوي وفقًا للبنك المركزي السعودي. كما أشار البنك المركزي السعودي، في بداية الربع الرابع والأخير من عام 2021، إلى أن قطاعات التجارة (16.7%) والصناعة (8.3%) والإنشاءات (5.0%) هي الأكثر عرضة للمخاطر. وبالنسبة للبنوك، تتمثل أبرز المخاوف من تمويل هذه القطاعات في انتشار موجات جديدة من فيروس كورونا المستجد واضطراب سلسلة التوريد وتوقف الأعمال نتيجة ذلك وشح المواد ونقص القوى العاملة.

وبشكل عام، كانت تكلفة الموارد المالية في المملكة العربية السعودية هي الأقل على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2021 بسبب الزيادة السريعة في حجم الودائع لدى البنوك السعودية. ومن المتوقع أن يستقر نمو الودائع لعام 2022، إلى جانب النمو السريع في التمويل، ما من شأنه أن يدفع البنوك إلى دخول سوق الدين. ومن المتوقع أن تتحرك معدلات الربح جنبًا إلى جنب مع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبالتالي زيادة تكلفة الموارد المالية.

وختامًا، سيسهم استمرار التعافي الاقتصادي في دعم الربحية وجودة الأصول وانخفاض خسائر التمويل في القطاع المصرفي. ومن شأن زيادة قوة المراكز الرأسمالية وتحسّن احتياطيات خسائر التمويل والسيولة الكافية أن تحمي العمليات الائتمانية للقطاع المصرفي السعودي. وسيؤدي انخفاض معدلات الربح وارتفاع تكلفة المخاطر الناتجة عن الإلغاء التدريجي للحوافز الحكومية إلى الضغط على الربحية، وهو ما سيُعوض جزئيًا من خلال التوسع في التمويل وزيادة هوامش الربح والحد من انخفاض القيمة وتكاليف المخصصات.

Close