في الوقت الحالي، لا توجد إدخالات متاحة للعرض

سياق التقرير
سياق التشغيل
من المتوقع أن يشهد النمو الاقتصادي العالمي استقرارًا عند مستوى 3.2% في عامي 2024 و2025، وذلك بالتزامن مع تراجع معدلات التضخم في معظم الدول لتقترب من المستويات المستهدفة من قبل البنوك المركزية. ووفقًا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2024، ستؤدي الولايات المتحدة دورًا رئـيسيًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي العالمي، مما يخفف من وطأة التراجع الذي يتوقع أن تشهده الاقتصادات المتقدمة الأخرى، خصوصًا في القارة الأوروبية. وفي تحول ملحوظ، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في خفض أسعار الفائدة اعتبارًا من سبتمبر 2024، حيث قام بخفضها بمقدار 50 نقطة أساس كخطوة أولى ,وتبعها بخفضين مقدارهما 25 نقطة لكل خفض في نهاية 2024. ومع ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبقى النمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات الخمس القادمة عند مستوى 3.1%، وهي نسبة تقل عن المتوسط التاريخي البالغ 3.8% خلال الفترة من عام 2000 إلى 2019، أي قبل جائحة كوفيد-19.
البيـئة التشغيلية العالمية
يرصد صندوق النقد الدولي بوادر مرونة في الأسواق الرئـيسية، ومن بينها الهند والبرازيل ودول جنوب شرق آسيا، وذلك على الرغم من التحديات الجيوسياسية والتجارية وغيرها من المخاطر، بما في ذلك احتمال زيادة الرسوم الجمركية بشكل كبير في بعض الدول، وإقدام الدول الأخرى على اتخاذ تدابير مشددة في المقابل. ومن المتوقع أن يتراجع المعدل العام للتضخم العالمي من متوسط سنوي قدره 6.7% في عام 2023 إلى 5.8% في عام 2024، ثم إلى 4.3% في عام 2025، وستتمكن الاقتصادات المتقدمة من العودة إلى مستويات التضخم المستهدفة بوتيرة أسرع من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. وبالرغم من التشديد الحاد والمتزامن في السياسة النقدية عالميًا، نجح الاقتصاد العالمي في الحفاظ على تماسكه بشكل ملحوظ في مواجهة التضخم، وتجنب الانزلاق إلى حالة ركود عالمي. أما التجارة العالمية، وبعد فترة من الركود في عام 2023، فمن المتوقع أن تنتعش مجددًا بنمو يتماشى مع الناتج المحلي الإجمالي، لتسجل متوسط نمو سنوي يقارب 3.25% خلال عامي 2024 و2025، وذلك على الرغم من التحديات المتزايدة المتمثلة في القيود العابرة للحدود التي تؤثر على التجارة بين التكتلات المتباعدة جيوسياسيًا.
إن الحاجة إلى الإصلاحات الهيكلية لا تزال ملحة كما كانت من قبل؛ فقد شهد عام 2024 انتخاب حكومات جديدة في نحو 70 دولة، تمثل ما يقارب نصف سكان العالم، مما أدى إلى حالة استثنائـية من الضبابية بشأن السياسات الاقتصادية. وفي هذا السياق، يسلط التقرير الضوء على أهمية تحقيق النمو الاقتصادي من خلال إصلاحات محلية طموحة تركز على تعزيز التقنية والابتكار، وتحسين المنافسة وتخصيص الموارد، وتعميق التكامل الاقتصادي، وتحفيز أشكال الاستثمار المنتجة من جانب القطاع الخاص.
من أبرز المخاطر التي رصدها صندوق النقد الدولي في سياق توقعاته الاقتصادية هو تزايد الضغوط الناتجة عن الديون السيادية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، إذ تواجه العديد من هذه الدول صعوبات بالغة في القدرة على تحمل أعباء الديون، في ظل استمرار ارتفاع تكاليف الاقتراض وهوامش العائد على الديون السيادية. علاوة على ذلك، تشكل الديون السيادية عبئًا ثقيلًا يعيق توفير التمويل اللازم لمبادرات الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية؛ ففي ظل وصول تكاليف الدين إلى أعلى مستوياتها خلال عقدين من الزمن في عام 2023، وفقًا لتقرير الديون الدولية الأخير الصادر عن البنك الدولي، أثقلت مدفوعات الفائدة كاهل الميزانيات الوطنية للدول التي تواجه تحديات، مما يحد من قدرتها على تخصيص الموارد اللازمة لقطاعات حيوية، مثل الصحة والتعليم والتكيف مع تغير المناخ. وللتغلب على هذه القيود المرتبطة بالحصول على التمويل من الأسواق العالمية، لا بد من تبني استراتيجيات مبتكرة مثل تيسير السياسة النقدية، ودمج معايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية في آليات التمويل الموجهة نحو تحقيق التنمية المستدامة.
وفي مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في دورته التاسعة والعشرين (COP29) التي عُقدت في نوفمبر 2024، تحقق إنجاز استثنائـي بتوصل ما يقرب من 200 دولة إلى اتفاق تاريخي يقضي بزيادة التمويل بمقدار ثلاثة أضعاف للدول النامية، من الهدف السابق البالغ 100 مليار دولار سنويًا إلى 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2035. ويهدف هذا الاتفاق الجديد إلى تعزيز حماية الأفراد والاقتصادات من عواقب الكوارث المناخية، مع ضمان استفادتهم من الفرص الكبيرة التي يوفرها التحول نحو الطاقة النظيفة. وتشير توقعات الوكالة الدولية للطاقة أن حجم الاستثمارات العالمية في مجال الطاقة النظيفة سييتجاوز حاجر التريليوني دولار أمريكي للمرة الأولى في عام 2024. كما توصل مؤتمر الأطراف (COP29) أيضًا إلى اتفاق بشأن أسواق الكربون، من شأنه أن يُسهم في تمكين الدول من تنفيذ خططها المناخية بشكل أسرع وبتكلفة أقل وتعزيز التقدم الذي تحرزه نحو خفض الانبعاثات العالمية إلى النصف خلال هذا العقد، وفقًا لما تتطلبه الأدلة العلمية لمواجهة تحديات تغير المناخ.
وعلى صعيد الذكاء الاصطناعي، شهد العام قيد المراجعة تطورات متسارعة، لا سيما في ميدان الذكاء الاصطناعي التوليدي. ففي الأسواق المالية العالمية، تسهم التقنيات الناشئة المختلفة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، في تحسين آليات تحديد الأسعار، وزيادة عمق الأسواق، كما تساعد في الحد من التقلبات خلال فترات الأزمات. وفي هذا الصدد، يتجه المشرّعون والجهات التنظيمية والجهات المعنية بوضع المعايير حول العالم نحو استحداث أطر عمل تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي للمجتمع مع تقليل مخاطره. ومع التوسع في استخدام التقنيات الحديثة، خاصة الذكاء الاصطناعي، وتسارع وتيرة عملية التحول الرقمي، تتزايد المخاطر الإلكترونية والتهديدات السيبرانية بشكل ملحوظ، وهو ما يثير القلق على مستويين: الأول يتعلق بحماية البيانات وأمنها، والثاني يرتبط باستقرار النظام المالي العالمي. ولا يزال القطاع المالي معرضًا بشكل خاص للمخاطر السيبرانية، وذلك نظرًا لحساسية البيانات المالية وحجمها الكبير.
وفي هذا السياق، باتت العديد من الشركات تولي اهتمامًا متزايدًا بمعايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية عند التعامل مع المخاطر الناجمة عن الذكاء الاصطناعي، أو معالجة المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات وأمنها. وبهذا التوجه، من المرجح أن تتمكن المؤسسات، التي تلتزم بالمعايير الأخلاقية في استخدام الذكاء الاصطناعي وتحرص على وضوح قواعد بياناتها، من اكتساب ثقة أصحاب المصلحة، خاصة مع تنامي الوعي بتأثيرات هذه التقنيات على المجتمع.

هذا، وبعد استعراض ملامح البيـئة التشغيلية العالمية خلال العام قيد المراجعة ومع الأخذ في الاعتبار التطورات المتوقعة في المستقبل المنظور والقريب، يتضح أن الآفاق المستقبلية للمؤسسات المالية ستتشكل تبعًا للاتجاهات العالمية التالية:
التحول الكبير في بيـئة الاقتصاد الكلي
في خضم التغيرات السياسية العميقة التي يشهدها العالم، تتراجع معدلات التضخم العالمي، بينما يظل النمو الاقتصادي العالمي مستقرًا رغم ما يحيط به من مخاطر جيوسياسية وتجارية وغيرها.
التسارع المستمر لخطى التقدم التقني
ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي وغيره من التقنيات المستقبلية المماثلة، والذي قد يغيِّر القواعد المتعارف عليها في السوق.
التركيز على الاستدامة ومعايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية
تزايد التركيز على العوامل البيـئـية والاجتماعية والحوكمة داخل القطاع المالي، إذ تتجه المؤسسات إلى دمج معايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية في استراتيجياتها الاستثمارية وتقييمات المخاطر، استجابةً للطلب المتزايد على حلول التمويل المستدام.
تصاعد وتيرة التشدد التنظيمي
التوجه نحو تشديد الرقابة التنظيمية على المؤسسات المالية غير التقليدية والوسطاء الماليين في ظل الضغوط المتزايدة على النظام الاقتصادي الكلي، الناتجة عن ظهور تقنيات جديدة ودخول المزيد من الجهات الفاعلة، فضلًا عن المخاطر المستجدة.
التحول في طبيعة المخاطر النظامية
تزايد التقلبات بفعل تصاعد التوترات الجيوسياسية، مما يؤدي إلى فرض قيود على التجارة والاستثمار في الاقتصاد الحقيقي.
الأمن السيبراني
تتصدر الهجمات السيبرانية قائمة المخاطر المباشرة التي تهدد البنوك على مستوى العالم، في ظل التزايد الملحوظ في عدد الهجمات السيبرانية والاختراقات الأمنية للبيانات التي تستهدف البنوك والشركات في مختلف أنحاء العالم خلال عام 2024.
البيـئة التشغيلية الإقليمية
وفقًا لتقرير البنك الدولي عن أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الخليج، خريف عام 2024، شهدت دول مجلس التعاون الخليجي نموًا اقتصاديًا هذا العام يقدر بنسبة 1.6%، غير أن هذا النمو يتوقع أن يرتفع إلى 4.2% في عامي 2025 و 2026. وقد أظهرت المنطقة مرونة ملحوظة في مواجهة العديد من الاضطرابات، حيث أوضح التقرير أن القطاع غير النفطي لا يزال يقود النمو الاقتصادي لدول المنطقة، إذ أظهر نمواُ قويًا بنسبة 3.7%، مدفوعًا بشكل أساسي بجهود التنويع الاقتصادي المستمرة والإصلاحات الطموحة في جميع أنحاء منطقة الخليج. ورغم بقاء التضخم في 2024 منخفضًا ومستقرًا عند 2.1%، نتيجة الدعم الحكومي، والحد من أسعار الوقود، وربط العملات، إلا أن الضغوط التضخمية في قطاع الإسكان ما زالت مستمرة في العديد من دول الخليج. وقد تأثر القطاع المالي بارتفاع الإنفاق الحكومي وانخفاض عائدات النفط، مع وجود تباين كبير بين جميع دول منطقة الخليج.
وعلى صعيد آخر، حافظ قطاع المصرفية الإسلامية على أدائه الإيجابي وحقق نموًا ملحوظًا وسط الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة، فقد واصلت أسواق رأس المال الإسلامية أداءها المتميز، مُظهِرةً قدرًا عاليًا من المرونة والنمو، وقد كان ذلك مدعومًا بالأُسس الراسخة وجهود الابتكار المثمرة، إلى جانب التوافق العميق مع توجهات الاستثمار العالمية نحو الاستدامة. وُيتوقع أن تتواصل وتيرة نمو إصدارات الصكوك العالمية المتوافقة مع معايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية خلال الربع الأخير من عام 2024 وحتى عام 2025، مدفوعةً بسعي الجهات المصدرة الدؤوب لتحقيق التنويع، والالتزام بأهداف الاستدامة العالمية، إلى جانب تنامي الطلب من قبل المستثمرين على الأدوات المالية التي تلبي معايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية، وتزايد الإقبال نحو حلول التمويل المستدام. وقد بلغ رصيد الديون المرتبطة بتمويل المشاريع المتوافقة مع معايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية في دول مجلس التعاون الخليجي 46.3 مليار دولار أمريكي حتى الربع الثالث من عام 2024، وشكّلت الصكوك ما نسبته 42% من هذا الإجمالي.
وتشهد دول مجلس التعاون الخليجي دفعة قوية نحو تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في سوق العمل، مدعومة بإصلاحات ومبادرات وطنية تنسجم مع أهداف رؤية 2030 الطموحة بكل دولة. ومع نهاية عام 2023، احتلت قطر والإمارات العربية المتحدة الصدارة في نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تبلغ النسبة في قطر 60% وفي الإمارات 52%، متجاوزةً بكثير المعدل العالمي البالغ حوالي 47%. وقد حققت المملكة العربية السعودية إنجازًا تاريخيًا في مجال تمكين المرأة، إذ ارتفعت نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة إلى 37%، ما يعني أن المملكة قد تجاوزت الهدف الذي حددته رؤية 2030 الطموحة والبالغ 30% بسبع سنوات كاملة قبل الموعد المحدد. (تمكَّن مصرف الراجحي من تجاوز المتوسط الوطني للمساواة بين الجنسين، إذ وصلت نسبة الموظفات في المصرف إلى 34% بنهاية العام). وقد أشاد الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2024 بالتقدم الهام والمشهود الذي أحرزته دول مجلس التعاون الخليجي نحو تحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، المتعلق بالمساواة بين الجنسين، ولا سيما من خلال الإصلاحات التشريعية في عدة مجالات، أبرزها قوانين العمل، ما يعكس الخطوات الملموسة نحو تمكين المرأة.
الاتجاهات المحلية
بفضل أجندة التنويع الاقتصادي الطموحة لرؤية 2030، التي تهدف في جوهرها إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدرٍ رئـيسي للدخل، أسهمت الأنشطة غير النفطية في تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة العربية السعودية بنسبة 1.3% خلال عام 2024، بعد انكماش طفيف بلغت نسبته 0.8% في عام 2023. وقد سجلت الأنشطة غير النفطية نموًا قويًا بنسبة 4.3%، ما خفف جزئـيًا من وطأة الانكماش المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي النفطي بنسبة 4.5%، والذي جاء نتيجة تمديد التخفيضات الطوعية في إنتاج النفط حتى نهاية 2024. ومن المتوقع أن يتسارع النمو ليصل إلى متوسط 3% إلى 4% خلال الفترة 2025-2026، تزامنًا مع الزيادة في إنتاج النفط.
وفي هذا السياق، يُعتبر القطاع في النفطي حجر الزاوية في مسيرة التنويع الاقتصادي للمملكة، والذي يُتوقع أن يحافظ على استقراره عند معدل نمو يُقدر بنسبة 4.5% خلال عامي 2025-2026، مدفوعًا بالطلب المحلي المتزايد. كما ارتفع مؤشر مديري المشتريات (PMI) في المملكة العربية السعودية ليصل إلى 58.4 في ديسمبر 2024. هذا النمو القوي، الذي تميّز بتسارع وتيرة الإنتاج والطلب، يعكس بوضوح تنامي قدرة القطاعات غير النفطية على الإسهام في الاقتصاد السعودي بمعزل عن التقلبات في أسعار النفط. كذلك، يتماشى النمو في القطاعات غير النفطية، مثل السياحة والترفيه والتقنية في المملكة العربية السعودية، مع مستهدفات رؤية 2030 الرامية إلى التحول إلى اقتصاد منخفض الانبعاثات الكربونية. ويواصل هذا التحول الاستراتيجي إعادة تشكيل الهيكل المالي للمملكة، ويفتح آفاقًا جديدة أمام البنوك والمؤسسات المالية لتمويل قطاعات ناشئة تبشِّر بمستقبل واعد.
من جانب آخر، أسهمت التحسينات التي شهدتها البيـئة التنظيمية والتجارية في المملكة العربية السعودية في دعم جهود التنويع الاقتصادي. هذا، وشهدت الفترة قيد المراجعة استمرار تدفق الاستثمارات الجديدة بفضل حزمة قوانين جديدة تهدف إلى دعم ريادة الأعمال وحماية حقوق المستثمرين وخفض تكاليف ممارسة الأعمال. ووفقًا لبيانات وزارة الاستثمار في المملكة، ارتفع عدد التراخيص الاستثمارية بنسبة 73.7% خلال الربع الثالث من عام 2024. وتعزز هذه التحسينات التنظيمية جهود المملكة نحو تبني مبادئ الحوكمة الرشيدة، وتطبيق معايير الشفافية، وترسيخ أخلاقيات الأعمال القويمة، بالإضافة إلى دمج معايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية بشكل فعّال في مختلف قطاعات الأعمال. وضمن هذا الإطار، يتجه صندوق الاستثمارات العامة نحو تعزيز تركيزه على المشاريع المحلية، مع التقليص التدريجي لاستثماراته الخارجية، في خطوة تهدف إلى دفع عجلة الاقتصاد المحلي، ويتيح هذا التحول للمؤسسات المالية فرصًا كبيرة للمشاركة في تقديم خدمات التمويل والاستشارات للمشاريع الوطنية الكبرى. وقد عزَّز صندوق الاستثمارات العامة خطته الاستثمارية في المشاريع المستدامة لتتجاوز 19.4 مليار دولار أمريكي، موزعة على ما يقارب 100 مشروع مؤهل، تتركز في مجالات التنمية الاستراتيجية والمستدامة، بما يتماشى مع معايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية. وتغطي هذه المشاريع العديد من المجالات الحيوية، مثل الطاقة المتجددة، والبنية التحتية المستدامة، والنقل النظيف، ومبادرات الحد من التلوث.
ارتفع الإنفاق الاستهلاكي في المملكة العربية السعودية بنسبة ملحوظة تقارب 11% في ديسمبر 2024، مقارنةً بالشهر ذاته من العام السابق. ويعود هذا النمو إلى الأداء اللافت لقطاع المدفوعات الرقمية، حيث سجلت مبيعات نقاط البيع زيادة بنسبة 9% على أساس سنوي، وارتفعت مبيعات التجارة الإلكترونية عبر بطاقات "مدى" بنسبة 26% على أساس سنوي، كما شهدت عمليات السحب النقدي من أجهزة الصراف الآلي زيادة بنسبة 1% على أساس سنوي. ويُعزى هذه الارتفاع المستمر في الإنفاق الاستهلاكي في المملكة إلى التقدم المحرز في تبني العديد من وسائل الدفع الرقمية، وهو ما يتماشى مع جدول أعمال الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية لتحقيق النمو الاقتصادي، إذ يسهم هذا التوجه في تعزيز الشمول المالي، وزيادة فرص الحصول على التمويل، إلى جانب تحسين إدارة الموارد البيـئـية من خلال زيادة الاعتماد على الخدمات المصرفية الرقمية في إتمام المعاملات التي لا تحتاج إلى البنية التحتية التقليدية.
على صعيد آخر، تواصل السوق العقارية في المملكة العربية السعودية مسارها التصاعدي في عام 2024، مدفوعة بانخفاض أسعار الفائدة والمبادرات الحكومية الاستباقية. فقد أسهم انخفاض تكاليف الاقتراض، إلى جانب التدفق القوي لمشاريع البناء التي دخلت مرحلة التنفيذ، في تعزيز التفاؤل وتحفيز النشاط في السوق العقاري بالمملكة. وعلى المستوى التنظيمي للقطاع العقاري، تبوأت المملكة مكانة مرموقة، إذ احتلت المرتبة الثانية عالميًا بين الأسواق الأكثر تحسنًا من ناحية الشفافية في القطاع العقاري، وذلك بفضل إصدار 18 تشريعًا جديدًا شملت تحديث أنظمة العقارات والأطر التنظيمية ذات الصلة. ويدعم الإطار الاستراتيجي لرؤية السعودية 2030 نمو المدن المستدامة وتوفير الإسكان ميسور التكلفة، حيث تركز السياسات والمشاريع المستقبلية على تشجيع التوجه نحو البناء المستدام والاستخدام الأمثل للأراضي، بما يسهم في تعزيز مكانة القطاع العقاري كركيزة أساسية في الاقتصاد.
القطاع المصرفي السعودي
واصل القطاع المصرفي تحقيق نتائج إيجابية خلال عام 2024، وذلك بفضل عدة عوامل، أبرزها ارتفاع أسعار النفط، والنمو القوي في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، بالإضافة إلى استمرار الإنفاق الحكومي في دفع عجلة تنفيذ المشاريع الكبرى التي تندرج ضمن رؤية 2030. وقد تجلى هذا التحسن في حصول المملكة على تصنيف "bbb+" للبيـئة التشغيلية من وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية، وهو أعلى تصنيف يُمنح على مستوى القطاعات المصرفية في دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد سجلت البنوك السعودية مكاسب قوية في مجال الأوراق المالية والتداول، ما أسهم في زيادة دخلها غير المرتبط بالفوائد، لتصل أرباحها الإجمالية إلى 80 مليار ريال سعودي في عام 2024. وجاء هذا التحسن مدعومًا بخفض البنك المركزي السعودي سعر الفائدة في النصف الثاني من 2024، تماشيًا مع قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مما أدى إلى إعادة تقييم إيجابية لبعض الأوراق المالية. وفي السنوات القادمة، سيظل الاهتمام بتعزيز الدخل غير المتعلق بالفوائد وتعزيز الكفاءة في إدارة التكاليف من الأولويات الرئـيسية للبنوك السعودية لضمان نجاحها المستدام.
شهدت محفظة التمويل للقطاع المصرفي نموًا قويًا بنسبة 14.4% خلال عام 2024، في حين تباطأ نمو ودائع العملاء بشكل ملحوظ، مما دفع البنوك إلى زيادة اعتمادها على التمويل الخارجي وتنويع مصادر تمويلها لتشمل أسواق الدين الدولية، بما في ذلك المنتجات المستدامة، وذلك لتلبية الطلب المتزايد من العملاء من الشركات العاملة في المشاريع الكبرى.
وصل إجمالي التمويل المصرفي الممنوح للقطاعين العام والخاص من جانب البنوك السعودية أعلى مستوى له على الإطلاق، متجاوزًا 2.95 تريليون ريال سعودي بنهاية ديسمبر 2024، ومسجِّلًا معدل نمو قدره 14.4% على أساس سنوي. وقد شمل هذا التمويل الممنوح من البنوك السعودية أكثر من 17 قطاعًا اقتصاديًا في القطاعين العام والخاص، لتسهم بشكل فعال في تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام في المملكة ودعم تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.
وبشكل عام، بقيت جودة الأصول في البنوك في وضع جيد، في الوقت الذي تجاوز فيه نمو التمويل وتوسع الأصول المرجحة بالمخاطر وتيرة توليد رأس المال الداخلي. وسجل متوسط معدل كفاية رأس المال من الشريحة الأولى في القطاع المصرفي ما نسبته 18.3% بنهاية عام 2024، وهو مستوى جيد بالنظر إلى طبيعة المخاطر المنخفضة بشكل عام لدى البنوك السعودية ومؤشرات جودة الأصول العالية التي تمتع بها خلال مختلف الدورات الاقتصادية.
بالرغم من التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، كان البنك المركزي السعودي سباقًا في معالجة المخاطر المختلفة للحفاظ على استقرار القطاع المصرفي السعودي ومرونته، موكدًّا بذلك التزامه القوي بمبادئ الحوكمة الرشيدة والإطار التنظيمي المحكم، وهو ما يسهم في ترسيخ دعائم الاستقرار الاقتصادي وتعزيز ثقة المستثمرين. كما واصل البنك المركزي السعودي دعمه للابتكار التقني والحلول الرقمية لتلبية الاحتياجات المتطورة للأفراد والشركات، مع ضمان وجود إطار عمل مرن ومناسب. وتشكل هذه التطورات الرقمية ركيزة أساسية للجهود الساعية إلى تعزيز الشمول المالي، إذ تسهم في توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المصرفية وزيادة كفاءتها، بما يدعم البعد الاجتماعي ضمن معايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية. ومن منطلق تنظيمي، تم استكمال تنفيذ إصلاحات "بازل 3" قبل الموعد النهائـي المحدد، مع استمرار حفاظ النسب الاحترازية للنظام المصرفي على مستويات أعلى بكثير من المتطلبات التنظيمية.
يؤدي برنامج تطوير القطاع المالي دورًا محوريًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي للمملكة، كما يُعد أداة فعالة لدعم تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030. ويسهم البنك المركزي السعودي بدور فاعل في البرنامج من خلال دعم الابتكار التقني وتشجيع تبني الحلول الرقمية، ما يثمر في توفير مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات في جميع أنحاء القطاع. كما يبقى تحسين الأنظمة واللوائح لتلبية المعايير الدولية المرجعية عنصرًا حاسمًا في محاولة البرنامج لتحديث المشهد المالي في المملكة العربية السعودية، وتعزيز ريادة الأعمال ونمو القطاع الخاص. فبرنامج تطوير القطاع المالي يسلط الضوء على معايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية والتمويل المستدام، مع إبرازه للحاجة إلى إصدار أدوات الدين السيادية المستدامة داخل البيـئة التشغيلية الحالية بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية. ومن خلال هذه الإجراءات، سيكون بمقدور القطاع المصرفي السعودي زيادة شفافية جهوده على صعيد الامتثال لمعايير الحوكمة البيـئـية والاجتماعية والمؤسسية الدولية.
في ذلك الإطار، ومع استمرار توسُّع منظومة التقنية المالية في المملكة العربية السعودية، تتعاون بنوك عديدة مع شركات التقنية المالية المحلية والدولية لإطلاق حلول مبتكرة، وذلك في إطار استمرار دعم البنك المركزي السعودي لهذه المساعي من خلال حرصه البالغ على تهيـئة بيـئة تنظيمية تدعم تبني الخدمات المصرفية المفتوحة. ولا أدل على ذلك من تعاون البنوك السعودية مع شركات التقنية المالية في إطلاق خدمات عديدة مثل المحافظ المتنقلة، والموافقات على القروض الفورية، ومنصات الدفع الرقمية، وذلك لجذب شريحة الشباب البارعين في استخدام التقنية داخل المملكة.
تحديثات القطاع المصرفي السعودي لعام 2024
الربحية/العائد على حقوق المساهمين
%15.16
القروض المتعثرة
%1.04
العائد على أجمالي الأصول
%2.01
الدخل التشغيلي مليار ريال سعودي
143.1
تكلفة التمويل
%3.45
معدل التكاليف إلى الدخل
%31.49
أسعار الفائدة/معدل الإقراض بين البنوك السعودية لمدة 3 أشهر
%5.54
احتياطيات البنك المركزي مليار ريال سعودي
1640
سعر الفائدة على إعادة شراء شهادات إيداع البنك المركزي
%5
سعر الفائدة على إعادة الشراء المعاكس لشهادات إيداع البنك المركزي
%4.5
في 2024، من المتوقع أن يصل إجمالي الإيرادات الذي ستحققه المملكة إلى 1,230 مليار ريال سعودي وإجمالي النفقات إلى 1,345 مليار ريال سعودي.كذلك، من المتوقع أن يشهد العام 2025 ارتفاعًا في مستويات التهديدات المتعلقة بالأمن السيبراني ومخاطر الاحتيال على نحو سيكون متناسبًا بشكل مباشر مع الوتيرة المتسارعة للرقمنة والتقدم التقني على مستوى القطاع المصرفي. وعلى الصعيد نفسه، تتوقع الحكومة استمرار العجز المحدود في الميزانية على المدى المتوسط نتيجة لسياسات الإنفاق التوسعية التي تدعم النمو الاقتصادي. ولتلبية احتياجاتها التمويلية، ستعتمد الحكومة على الاقتراض مع سعيها الحثيث لتنويع مصادر التمويل. ونتيجةً لذلك، فمن المتوقع للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أن ينمو بنسبة 1.3% في 2024،و3.3% و4.1% في الفترة بين عامي 2025 و2026.